سورة الحاقة - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحاقة)


        


{فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً (10)}
قوله تعالى: {فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ} قال الكلبي: هو موسى.
وقيل: هو لوط لأنه أقرب وقيل: عني موسى ولوطا عليهما السلام، كما قال تعالى: {فقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ} [الشعراء: 16].
وقيل: رَسُولَ بمعنى رسالة. وقد يعبر عن الرسالة بالرسول، قال الشاعر:
لقد كذب الواشون ما بحت عندهم *** بسر ولا أرسلتهم برسول
{فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً} أي عالية زائدة على الآخذات وعلى عذاب الأمم. ومنه الربا إذا أخذ في الذهب والفضة أكثر مما أعطى. يقال: ربا الشيء يربو أي زاد وتضاعف.
وقال مجاهد: شديدة. كأنه أراد زائدة في الشدة.


{إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ (11) لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ (12)}
قوله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ} أي أرتفع وعلا.
وقال علي رضي الله عنه: طغى على خزانه من الملائكة غضبا لربه فلم يقدروا على حبسه. قال قتادة: زاد على كل شيء خمسة عشر ذراعا.
وقال ابن عباس: طغى الماء زمن نوح على خزانه فكثر عليهم فلم يدروا كم خرج. وليس من الماء قطرة تنزل قبله ولا بعده إلا بكيل معلوم غير ذلك اليوم. وقد مضى هذا مرفوعا أول السورة. والمقصود من قصص هذه الأمم وذكر ما حل بهم من العذاب: زجر هذه الامة عن الاقتداء بهم في معصية الرسول. ثم من عليهم بأن جعلهم ذرية من نجا من الغرق بقوله: حَمَلْناكُمْ أي حملنا آباءكم وأنتم في أصلابهم. {فِي الْجارِيَةِ} أي في السفن الجارية. والمحمول في الجارية نوح وأولاده، وكل من على وجه الأرض من نسل أولئك. {لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً}
يعني سفينة نوح عليه الصلاة والسلام. جعلها الله تذكرة وعظه لهذه الامة حتى أدركها أوائلهم، في قول قتادة. قال ابن جريج: كانت ألواحها على الجودي. والمعنى: أبقيت لكم تلك الخشبات حتى تذكروا ما حل بقوم نوح، وإنجاء الله آباءكم، وكم من سفينة هلكت وصارت ترابا ولم يبق منها شي.
وقيل: لنجعل تلك الفعلة من إغراق قوم نوح وإنجاء من آمن معه موعظة لكم، ولهذا قال الله تعالى: {وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ}
أي تحفظها وتسمعها أذن حافظة لما جاء من عند الله. والسفينة لا توصف بهذا. قال الزجاج: ويقال وعيت كذا أي حفظته في نفسي، أعيه وعيا. ووعيت العلم، ووعيت ما قلت، كله بمعنى. وأوعيت المتاع في الوعاء. قال الزجاج: يقال لكل ما حفظته في غير نفسك: أوعيته بالألف، ولما حفظته في نفسك وعيته بغير ألف. وقرأ طلحة وحميد والأعرج: {وَتَعِيَها} بإسكان العين، تشبيها بقوله: {أَرِنا} [البقرة: 128]. وأختلف فيها عن عاصم وابن كثير. الباقون بكسر العين، ونظير قوله تعالى: {وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ} {إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ} [ق: 37].
وقال قتادة: الاذن الواعية أذن عقلت عن الله تعالى، وانتفعت بما سمعت من كتاب الله عز وجل.
وروى مكحول أن النبي صلي الله عليه وسلم قال عند نزول هذه الآية: «سألت ربي أن يجعلها أذن علي». قال مكحول: فكان علي رضي الله عنه يقول ما سمعت من رسول الله صلي الله عليه وسلم شيئا قط فنسيته إلا وحفظته. ذكره الماوردي. وعن الحسن نحوه ذكره الثعلبي قال: لما نزلت وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ قال النبي صلي الله عليه وسلم: «سألت ربي أن يجعلها أذنك يا علي» قال علي: فوالله ما نسيت شيئا بعد، وما كان لي أن أنسى.
وقال أبو برزة الأسلمي قال النبي صلي الله عليه وسلم لعلي: «يا علي إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك وأن أعلمك وأن تعي وحق على الله أن تعي».


{فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (13)}
قال ابن عباس: هي النفخة الأولى لقيام الساعة، فلم يبق أحد إلا مات. وجاز تذكير نُفِخَ لان تأنيث النفخة غير حقيقي.
وقيل: إن هذه النفخة هي الأخيرة. وقال: نَفْخَةٌ واحِدَةٌ أي لا تثنى. قال الأخفش: ووقع الفعل على النفخة إذ لم يكن قبلها اسم مرفوع فقيل: نفخة. ويجوز {نفخة} نصبا على المصدر. وبها قرأ أبو السمال. أو يقال: أقتصر على الاخبار عن الفعل كما تقول: ضرب ضربا.
وقال الزجاج: فِي الصُّورِ يقوم مقام ما لم يسم فاعله.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7